中文 English الاتصال بنا الأرباط المعنية
   صفحة رئيسية  > المواضيع الخاصة > الصين في عيون العرب
عن بكين الملايين وصين المنفتحين..
2010-12-17 15:55
 

حلّقت طائرتنا العربية فوق أجواء العاصمة الصينية أكثر من ثلث ساعة قبل أن تحط بهدوء وروية في مطارها الدولي، وهي متخمة في جوفها حتى الثمالة بالزوار، السياح، رجال الأعمال الأجانب وعدد من المواطنين الصينيين. إقتربنا من الحدود الجوية للمدينة التاريخية المنتعشة ببرد «غير قارص» يَلفّها هذه الأيام، والتي كانت ولَـّدت وماتزال تولّد للان، أهم إختراعات لم نكن لنتصور مستقبل البشرية من دونها، وقد أفضت الى الأرتقاء بمسيرتها، وسَهلـّت من حياتها اليومية وانعشت آمالها.

راقبت بدقة وإهتمام تضاريس هذه البقعة البكينية مترامية الأطراف، من النافذة الصغيرة للطائرة، ودقـّقت في مربعاتها ومستطيلاتها وناطحاتها وبساكنيها «الدائمين»، وعديدهم أكثر من عشرين مليوناً ليلاً، يزدادون نهاراً بمقدار أربعة ملايين نسمة تقريباً كما قال مرافقتي، قادمين من الضواحي والأرياف المحيطة، التي تحرص الحكومة المركزية هنا على رعاية ناسها وتعزيز أَسيجتها الخضراء، حماية للبيئة، وتخفيضاً للكربون، الذي تناضل الصين حالياً لقهره دون هوادة، دفاعاً عن مستقبل الأرض، الهواء، وتلطيفاً للمناخ «المحلي» وامتدادته الكونية.

«الأجواء تحسم على الدوام». فمن هنا.. «من فوق» من على متن الطائر الحديدي، تكتشف كم هم هؤلاء الصينيون، بقومياتهم الـ56، ثقافاتهم، مشاربهم ومختلف أمزجتهم يمتازون بالترتيب، الإنضباطية والذوق الرفيع في عمليات تخطيط المدينة، وكم هم جادّون في التباري من أجل تأكيد القِيم الجمالية وتفعيل التخطيط الأمثل لها، وقد أضح الأمر تقليداً، لتكون عاصمة «الجنس الأصفر» جاذبة، ليس للأجنبي والسائح فحسب، بل والأهم من كل هؤلاء لمواطنيها أنفسهم.

سارت إجراءات الخروج من المطار الدولي الضخم، خلال دقائق قليلة بسهولة ويُسر، مما يؤكّد نجاح رغبة هذه الدولة وشعبها التحوّل الى صدارة الإستقطاب الإستثماري والسياحي على مساحة البسيطة. الخروج من المطار فتح أمامي فجأة فضاءً واسعاً. فقد برزت مدينة الملايين من حولي وجهاً لوجه، و»عيناً أمام عين»، هذه المرة من خلال نافذة أُخرى، هي سيارة مراسم سوداء فخمة بكامل إضافاتها «صُنعت في الصين»، خصصتها القيادة الصينية لتنفيذ برنامج الدعوة الكريمة التي وجّهت لي، بغية الإطلاع على التقدم المذهل الذي أحرزته الصين، خلال نيّف وثلاثة عقود من عمر «الإصلاح والإنفتاح» الشهير، وللإستماع الى آراء المسؤولين الحكوميين والحزبيين ورؤساء مصلحة الأديان والهيئات الإسلامية والمسيحية بشأن الواقع الصيني الراهن، وتقييماتهم للعلاقات القائمة مع المملكة في شتى الحقول، ورغبتهم إيصال أرائهم للجانب الاردني.

شوارع وطرقات بكين واسعة وشاسعة منذ عشرات السنين، أي مذ وضعت الخطط العلمية بعيدة المدى لتتجاوب مع متطلبات نموها المستقبلي العاصف، وربما هو السبب في سهولة التنقل الراهن عليها. فانتفاء الأزمات المرورية عليها لافت، والانضباطية على الطرق ظاهرة شمولية تؤشّر بجلاء الى انضباطية مشابهة يقبض عليها المواطن الصيني في بيته، ويتمسك بها في أُسرته وتكون نبراساً له في مكان عمله. فهنا توجد مسارب خاصة للمشاة والدراجات على جانبي المسالك الرئيسة، منفصلة عن تلك المخصصة للحافلات العامة والشخصية، فيأخذ منها والحالة هذه، كل ذي حق حقه، دون ضجيج، ليستمتع بسياقة رائقة لا يعكر نهاره ولا ليله تلوث سمعي طارئ.

وبالنسبة للمنشآت فحدث ولا حرج. فضخامتها تلح لإستعراض الإمكانات الصينية المذهلة في فنون العمارة الحديثة تماشياً مع العصر، وفي الجانب الآخر تُبقي أساليب البناء الجديدة على التناغم والإنسجام مع الأصالة، احتراماً لجسور التواصل القائمة والرابطة بحميمة بين الماضي والحاضر في وجدان الصيني، وتعزيزاً لثقافة عريقة غرفت منها البشرية بنهمٍ، وماتزال، وقال فيها النبي العربي الأمين محمد (صلى الله عليه وسلم) أُطلبوا العلم ولو في الصين.

marwan_sudah@yahoo.com

 

مروان سوداح - بكين

أخبر صديقك
  إطبع هذه الورقة