中文 English الاتصال بنا الأرباط المعنية
   صفحة رئيسية  > المواضيع الخاصة > الصين في عيون العرب
تحالف مع شعب يقتحم الآفاق - 1
2010-07-17 18:30
 

قبل 32سنة بدأ التطور الحقيقي في الصين الذي قاده الزعيم العملاق «دنغ شياو بينغ»، وتميّز بالإصلاح والإنفتاح على العالم الخارجي، وبالتسارع المنضبط المترافق بحرية الإستثمار الواسع، في إطار مُحددات إستراتيجية تضمن سيادة الدولة، مؤسساتها المركزية وتعزيز سلطتها السياسية والإقتصادية، وتحييد تأثير التوظيفات المالية الأجنبية على النظام العام ورفض التأثير عليه، ومنع جرّ البلاد الى تبعية لعواصم تقليدية، فالتشدد الإيجابي بطرح الأنماط والفلسفة القديمة غير الفاعلة جانباً، بعد التأكّد من أن «القديم» أضحى سبباً مزمناً لعرقلة النمو الإقتصادي - الإجتماعي، وبعد أن تكشّف بأن آلياته لم تفض الى نمو حقيقي، فأُدخلت في الحياة الصينية مفاهيم جديدة تتواءم والعصر، في مقدمتها ضرورة التخلي عن استنساخ التجارب الأجنبية جانباً، ونبذ القوالب الجامدة التي أفضت الى أزمة تاريخية، فضرورة الإعتماد على النتاجات ذات اللون الصيني، في المشروع الإقتصادي والتاريخي الجديد الذي يرتكز الى روافع نفسية راسخة في أعماق وأوسع الأوساط الشعبية منذ أن تشكلت الأُمة الصينية، وذلك بغية نيل ثقتها لتأييد الحياة الجديدة، فحثـّها على البذل والعطاء الذي أُريد له أن ينعكس فوراً ومباشرةً على حياتها اليومية.. فكان ما خُطّط له .

الملاحظ وفقاً للبروفيسور المستشرق والمستعرب «وان غيو تاي» الذي تناول المشروع الصيني الجديد، أثناء الدورة التي نظّمتها الحكومة الصينية للصحفيين العرب، أن التغييرات الأولى بدأت في الريف، ورسخت فيه بغية إنهاض الجماهير الشعبية وكسب ثقتها، فهي المحرّك الأساس لكل تغيير وهدفه النهائي، وهي سواد الشعب، ونجاح التعامل مع الريف والفلاحين ضمانة لنجاح المشروع النهضوي، لذا تم تطبيق نظام مسؤولية المقاولة القائمة على الأُسر الفلاحية إزاء الإنتاج، حيث يتمسك الفلاحون بحق الإنتفاع بأراضيهم، ويخطّطون شؤونهم الزراعية ومنتجاتهم. وبعد أربع سنوات من العمل الحثيث والضخم بكل المعايير في الريف انتقل الإصلاح الى المدن، فشرع بتوسيع وتغيير وظائف الإدارات الحكومية المحلية للإقتصاد، والى جانب ذلك ومترافقاً معه، جرى على التوالي إصلاح النظام السياسي، الثقافي، العلمي، التكنولوجي، والنظام التعليمي، بهدف ضمان التناغم والإنسجام الإنساني مع عملية التغيير، لحمل الناس على إدراكها بعمق والتعامل مع نتائجها بإيجابية .

 

وقد تكشّف عن المشروع الصيني العصري الذي نجح بكل المقاييس، تناقضه مع المشاريع الأُخرى في عالم الرأسمالية، والإقطاعية المعاصرة والإمبرياليات الإشتراكية التي إنفرط عقدها قبل عشريتين، من حيث أن هذه المشاريع تنحى لإنتاج وتعزيز ما يمكن وصفه بصناعات التخلّف، الفقر والحرمانات، الكراهية، التوترات العرقية والدينية والطبقية، والحروب السياسية، الإقتصادية والدموية المباشرة وصولاً للتخلص من «الأحمال البشرية الزائدة» وفق للمنطق الإمبريالي بكل ألوانه وطبائعه، إذ يتضح أن الصين تعارض أنماطاً مثل «إقتصاد الصدمات الروسي»، و»الستالينية السوفييتية»، «إقتصاد النفط الخليجي»، و»إقتصاد الإحتكارت الكبرى»، لكنني ربما لا أُخطئ كثيراً بتقديري بأن تجربة الصين الجديدة تتقاطع و»التسيير الذاتي» اليوغسلافي الذي إتفقت الإشتراكيات اللينينية والإمبرياليات الغربية على وأده!. فالتجربة الصينية التي تدفع العوالم الثالثية ومنها العرب للتحالف الإسترتيجي معها، لا تنتمي بإعتقادي، بكليتها راهناً، الى أي من العوالم الإقتصادية المعروفة، فهي إذ تُعارض توجهات الأنظمة المتوحشة، تجهد للإفادة من تجربتها، أو تأخذ منها الأصلح لواقعها المتميز، فليس للصين مُحددات صارمة للإنتماء، ولا توصيفات جاهزة له، ذلك أنها تنطلق من تربتها الخاصة، وتتلمس طريقها وفق فلسفة الإنفتاح العام المتصالح مع الدولة وسيادتها وعقلنة التطور وأنسنته. وتتأرجح الصين بين العالم النامي بجذورها وواقعها الثقافي والأجتماعي والسيكولوجي، وبين الدول الأُولى، وتجهد للقفز عن اليابان لتشغل مكانتها العالمية الثانية بعد الولايات المتحدة .

 

marwan_sudah@yahoo.com

 

مروان سوداح

أخبر صديقك
  إطبع هذه الورقة